استيقظ جميل من النوم في صباح ذلك اليوم – الاثنين – الأول من إبـريل - باكراً كعادته في باقي أيام الأسبوع، أعدّ ملابسه وتجهّز لكي يخرج للشارع ليبدأ معـركته اليومية.. معـركة الذهاب للعمل، يخوضها يومياً لأجل ألا يصل متأخراً إلى محل عمله – خرج لتوه من باب العمارة التي يقطن بها ولكنه على عكس كل الأيام السابقة لم يرى أكياس القمامة أمام باب العمارة، فسأل البواب ما إذا جاء عامل البلدية أخيراً وأخذ تلك الأكياس، فأجابه البواب بأن عامل البلدية أتى كعادته كل يوم، استغرب جميل من إجابة البواب.. ماذا يعني بـ"كعادته كل يوم"؟! فالعامل لا يأتي سوى مرتين أو ثلاثة على الأكثر شهرياً. لم يُعر جميل هذا الحدث اهتماماً وخرج للشارع ينتظر الأوتوبيس أو أي حافلة تقله إلى عمله.
جاء الأوتوبيس يكاد يكون فارغاً من قلة عدد من يحملهم من أشخاص،
أوتوبيس جديد يختلف عن الذي يركبه يومياً، ركبه وهو يتذكر ذلك القديم البائس الذي
يسير بمحض غفلة من الهلاك. جلس على كرسي في الأوتوبيس في سابقة لم تحدث له منذ أن
كان في أولى سنوات التحاقه بالكلية. استمـرت الرحلة لمكان عمله ما يقارب نصف
الساعة، وهي الرحلة التي يقضيها يومياً في ساعتين على أقل تقدير، وقد لاحظ أن
الأوتوبيس لم يمتلئ قط طوال الرحلة – هذا أمر غريب –!
وصل بالطبع للعمل مبكراً جداً، فـقـرّر الجلوس على إحدى المقاهي
المجاورة حتى يحين موعد العمل الرسمي. حانت اللحظة الموعودة.. قصد مكتبه، وجد كل
زملائه خلف مكاتبهم في تمام التاسعة صباحاً.. هذا أيضاً غريب! أتم عمله في الثانية
ظهراً وخرج للشارع مستعداً للمعـركة اليومية الثانية – معركة العودة للمنزل،
ولكنها كانت أكثر شبهاً بقرينتها الصباحية.
دخل بيته وقص على زوجته ما شاهده منذ الصباح، فنظرت إليه نظرة فيها
الكثير من الشفقة وسألته إن كان به علةً أو حمى؟ فتركها ودخل غرفة المعيشة ليرى ما
يمكن مشاهدته من برامج أو مسلسلات في التلفاز أو حتى نشرة الأخبار، داعياً من الله
أن يستمع لأخبار سارة، فقد تشبّع بالأخبار السيئة على مدار الأسبوع الفائت.
مرّ شريط الاخبار في إحدى القنوات التليفزيونية أمام عينيه فاتسعتا
وغدتا تائهتين في مقلتيهما.. سعر صرف الدولار 2 جنيه مصري، نجاح إنزال أول مصري
على سطح القمر، مصر تودع في البنك المركزي الفلسطيني مبلغاً كبيراً لدعم اقتصاد
فلسطين، زيادة صادرات القمح إلى بلاد شرق آسيا، مصري يفوز بجائزة أوسكار أحسن ممثل
للمرة الثانية، مباراة كرة قدم ودية مرتقبة استعداداً لبطولة كأس العالم التي
ستقام في مصر العام المقبل!
تدور الأفكار في عقله الذي يأبى تصديق هذه الأخبار.. ما هذا!؟ أهو
عالم آخر انتقل إليه ولم يشعر، أم أصابه الجنون، أم خياله الجامح أخذه لعالم
افتراضي لم يحدث مطلقا!؟ أهذه حقيقة أم خيال؟
أغلق عينيه ليستمتع بأفكاره وبوطنه الناهض، وهو يقول لنفسه..
"هي دي النهضة صحيح"، ثم غفا قليلاً، وفجأة سمع صوت زوجته وهي تنادي
عليه: (انهض يا جميل ستتأخر عن ميعاد العمل). نظر إلى ساعة يده وجدها السادسة
صباحاً.. الاثنين.. الأول من إبـريل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق