Translate

أين أنتِ ؟



أين أنتِ ؟

نفير سيارة حمراء اللون فارهة قد ملأ الشارع صخباً .. نظر من شرفة نافذته حيث كان واقفاً في تلك اللحظة يروي عطش زهراته الجميلات فإذا به يرى ما لم يكن يتوقعه بحال .. إنها هي .. إنه يعرف تلك الملامح ، تلك العيون ، ذلك القوام الممشوق ، لا يمكن أن يكون مخطئاً فشكلها محفور في ثنايا ذاكرته كالنقش على الحجر ، لم يتمكن الزمن و لا الفراق من إزالة هذا النقش أبداً .. كيف هذا و هي جبيبته الأولى .. أبعد كل تلك السنوات يراها مجدداً ؟ .. كانت تقود تلك السيارة الحمراء مطلقةً نفيرها عندما توقفت أمام بائع الزهور في الجهة المقابلة من الشارع .. تسمّر في مكانه للحظات فاغراً فاه , عيناه متسعتان كما لو أنه تمثالاً حجـرياً .. يذكرها عندما كانت جارته في العمارة التي كانا يسكناها آنفاً .. تلك العمارة بقيت شاهدةً على حبهما..تلعثمت الكلمات في فمه ولم يجد صوتاً يخرج من حنجرته إنها الآن أمام عينيه بعد غيابٍ طال لسنوات عجاف لم يختبر فيها حباً كحبها .. كانت تملأ عليه حياته .. تخلص من ذهوله سريعاً أو كما بدا له و وضع ما في يده في مكانٍ ما ، لا يهمه شئ سوى أن ينزل الآن لينظر إليها و يتكلم معها ، خرج مسرعاً من شقته تاركاً الباب خلفه مفتوحاً أو مغلقاً ، هو لا يذكر .. قصد المصعد ضاغطاً على الزر .. انتظر لثانيةٍ او ثانيتين .. تباً لهذه الآلة اللعينة .. أين أنتي عندما أحتاجك ؟ .. هكذا قال لنفسه .. لم يدع المصعد يعطله فقرر النزول على الدرج .. أربعة أدوار كاملة نزلهم مسرعاً قافزاً لاهثاً حتى أنه كاد أن يقع على الدرج مرتين و لكنه لم يُعِرْ ذلك اهتماماً .. كل همّه فقط هو أن يصل إلى تلك النقطة على بعد متر واحد منها .. رأسه لم تعد تحتمل من كثرة ما لفظت ذاكرته من مشاهد ثنائية بينه و بينها .. في المدرسة و في المنزل , يلعبان سوياً و يخرجان مع الأهل ، حتى آخر مشهد عندما سافرت مع والديها إلى إحدى دول الخليج .. ثم أصبح بينهما تلك الرسائل إلى أن انقطع الإتصال بلا رجعة .. لم يبق له إلا أن يخرج من باب العمارة الآن ليراها .. هرول خارجاً و العرق يكسو جبهته و وجنتيه و نظر إلى الجهة المقابلة عند بائع الورد فوجد ..... لا شئ .. نظر يميناً و يساراً فوجد ... لا شئ .... لقد كانت هناك حتماً هو رآها يقيناً و لم يكن يتخيل .. هل انتهى الأمر عند هذا الحد ؟ ألم تستطع أن تصبر قليلاً ؟؟ ألم يستطع هو أن يسرع قليلاً ؟ ما هذا العذاب ؟ ظل يرنو من بائع الورد بخطىً لم يعرف مثلها تجمع بين الخزي و الأمل .. سأل البائع عن تلك السيدة التي توقفت بسيارتها الحمراء أمامه فأجابه بأنها كانت تسأل عن الطريق للخروج من الحي .. الحيرة تملأ وجهه .. أيضاً اليأس .. يكافح من أجل ألا تنهمر عبراته .. قلبه يخفق بشدة .. العبرات تحاول أن تتقدم ولا تقدر على أن تجتاز سد الرجولة .. أعليه الآن أن ينتظر مرةً أخرى ؟ ترى أين هى الآن ؟ هل سيحظى بفرصة أفضل من هذه ليلقاها مجدداً ؟ .. نظر حائراً إلى السماء و يداه متشابكتان خلف رأسه و لسان حاله يقول .. لماذا الآن ؟؟ ثم توصل لفكرة ربما تريحه لحد ما .. لقد أقنع نفسه بأنها ليست هي .. و إنما سيدة تشبهها كثيراً .. أو ربما هو يتخيل .. أو ربما كانت هذه إحدى نوبات الجنون ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق